معضلة التضحية والصبر والحرية...

{title}
أخبار الأردن -

إبراهيم أبو حويله 

 يقع الإحتلال بأعداد قليلة من الجند ومن الممكن دفعه بتضحيات تعد نسبيا قليلة مقارنة بالواقع بعد الإحتلال والتضحية التي يجب تقديمها بعد ذلك للخلاص منه ، فلو توحدت القوى الفلسطينية وحدها وصمدت في أرض المعركة ، ولم تنصاع للدعوات الداخلية والخارجية وصمدت في ارضها كما فعل اهل غزة اليوم ، لكانت الفاتورة من الدماء والأرض والاموال اقل بكثير  .

فالعدو اليوم قد وطن نفسه ونشر قواعده وثبت وبنى وأعد وجهز جنده لإدامة هذا الإحتلال لأطول فترة ممكنه ، وستصبح فاتورة التخلص منه باهضة في الأرض والمال والإنسان كما نرى ، ولكن كل صبر عليه هو في الحقيقة تعظيم لخطره  .

كل باحث في الأديان والإنسانيات والتاريخ وعلم الإجتماع يدرك أن التضحية هي وسيلة النهوض بأي أمة من تلك المقدمة.. المقدمة والثابتة والصفحة في التاريخ لإبن خلدون و في يومنا هذا ، منذ تلك اللحظة التي قرر فيها الرومان تشكيل جيش وتدريبه وصرفوا الأموال والعدة والعتاد في تجهيزه حتى يكون وسيلة حماية لهذه الحضارة ثم بعد ذلك يصبح نواة إحتلال وإستعباد للغير ، ولن يقوم الجيش إلا إذا ضحت فئة بالأموال والأنفس في سبيل هذا الهدف . 

معركة الوعي كما يقول مالك ، يجب أن ندرك أن كل تضحية هنا في هذه المعركة هي تضحية في مكانها ، نعم هي ألم بشري وفقد لحبيب أو خسارة في وطن ، ولكنها في سبيل الله وفي سبيل تحرير هذا الوطن لإهله من هذا المغتصب ، هي معركة وعي يريد فيها العدو خلق واقع تصبح فيه الحرية شبه مستحيلة وذات ثمن باهض ، هي معركة وعي يريد فيها العدو أن يخلق في اللاوعي للذي وقع عليه الإحتلال بأن لا سبيل للتخلص من هذا الإحتلال .

لقد واجه العالم الإسلامي ما بعد الإستعمار معضلة الوعي وإسترداد الوعي و الفوضى والصدمة من عالم الأشياء والأفكار .

مالك ، أكان يجب أن تقف هناك مفكرا ومحللا وباحثا وحاثا لهذه الأمة حتى تنهض من كبوتها ، لماذا هناك من الأشخاص من يحاول أن ينهض بالأمة ، لماذا يتعب نفسه في محاولة الفهم ويسعى مفكرا وقارئا وباحثا ، ولكن يبدو أن أي أمة حتى تنهض يجب أن يكون البعض للكل والكل للكل ، والتضحية من الفرد للجماعة والتضحية من الجماعة في سبيل الجماعة وإلا لن تكون للجماعة وسيلة للنهوض والتطور . 

وهي معركة وعي يدفع فيها الشعب الذي وقع عليه الاحتلال بكل قوة وقدرة وتضحية في سبيل حريته وفي سبيل التخلص من هذا الواقع الأليم ، نعم هنا يختلف الوضع مع هذا الإحتلال ، لأن هناك قوى عالمية تريد هذا الإحتلال وتسعى بكل السبل لبقائه وهي مستفيدة منه ، وتريده لإسباب سياسية وإستراتيجية مختلفة ، ولست مع أن الكيان هو الذي يسخر هذه القوى ، ولكني أجد نفسي منسجما مع النتيجة التي وصل إليها الباحث عبد الوهاب المسيري بأن الغرب هو من يوظف هذا الكيان لمصالحه ، ولذلك هو مستعد للدفاع عنه بكل السبل المادية والعسكرية والمعنوية . 

 نحن إذا الأن نعيش في حالة فوضى ما بعد الإستعمار ، وهذه الفوضى يريدها الغرب ويسعى لها وهي هدف بحد ذاتها ، لأن الخروج منها أو التفكير فيها أو البحث في السبل المؤدية للخروج منها وتحديدها وتحديد أسبابها .

كل ذلك في الحقيقة يعتبر محرما بالنسبة للقوى الغربية ، ويسعى بكل السبل لإيقاع الفرقة والإبتعاد عن الفاعلية والإنخراط فيما لا فائدة منه ، ويخلق مشكلات ومعضلات وتحديات هنا وهناك في سبيل ذلك ، ولا إستبعد أن يكون دور بعض المنظمات الدولية منخرطا في هذا التوجه بعلم منه أو بدون علم .

بحيث ننخرط في قضايا حقوق الطفل والمرأة والميم والسين والصاد ، وكل هذه في الحقيقة ليست مشكلة في العالم الإسلامي ولا تشكل ظاهرة ولا تحتاج كل هذا الجهد ، ولكنه برأيي جزء من خلق فوضى متعمد يهدف إلى إبعادك عن الفهم الحقيقي للمشكلة التي خلقتها الدول الغربية في هذا الجزء من العالم وترعاها وتساهم في وجودها .

ولا تريد السعي في حلها مع أن الحل معروف وممكن ، ولكنه جزء من الخطة الممنهجة التي تتعامل معنا فيها المراكز البحثية في العالم الغربي مثل رند وغيرها ، وما قام به هنري كسينجر وأمثاله يصب في الحقيقة في هذا الهدف ، ولذلك أجد أن هذا الباحث وأمثاله هم في الحقيقة عرابي الشيطنة لهذه الجماعة وسبب من أسباب إنحرافها ، بدل أن تسعى لتصويب حركتها في الحياة . 

 فنحن نعيش فوضى وحالة من الصدمة في عالم الأفكار والأشياء ، والصدمة هنا هي في الحقيقة في فقد الفاعلية والإنخراط في الفعل بدل التفكير والتحليل للوصول إلى رد الفعل المناسب في التعامل مع الحدث .

وأن تكديس هذا الإسلحة التي أنفقت عليها الأمة مئات المليارات لم تساهم في خلق الفاعلية في الأمة ولا الخروج من حالة الصدمة التي نعيشها ، ولا السعي للكف عن تكديس الأشياء ، والتي أتضح أن تكديسها هو بلا طائل بل يخدم هدف الغرب في تمويل مشاريعه وتطوير أسلحته ، ونحن من يمول هذه المشاريع بشراء وتكديس كل هذه الأشياء ، والتي يعتبر الكثير منها مجرد أشياء بلا فائدة حقيقية للأمة . 

إن الصدمة التي خلقها الطوفان ساهمت في أن يفكر كل واحد منا بما يقوم به وبالطريقة التي يجب عليه أن يتفاعل بها مع الأحداث وجعلته يسعى لأن يفهم ، وأدرك ولو بشكل غير تفصيلي جزء كبيرا مما تعاني منه الأمة من أمراض ، ويحاول بكل السبل أن يفهم هذه النقاط المتناثرة ويضع الخط المناسب الذي يجمع بينها ، وأدرك أن التفكير السليم والسعي الدؤوب مع  قليل من الإمكانيات من الممكن أن تصنع ما يعتبر مستحيلا .

وأن المستحيل لم يعد مستحيل ، وأدرك أن الغرب والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من الممكن أن يتم إلحاق الضرر به والتسبب له بالخسارة ، ومن الممكن بعد ذلك هزيمته وتقديم مصالح الأمة وأولوياتها .

 وان كل مواطن يستطيع التأثير بشكل بسيط نعم ، ولكن لأن هذه الأمة ممتدة فهذا التأثير يمكن أن يحقق أهدافا ولو بعد حين .

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير